الحيوانات في الشعر الجاهلي

يعتبر الشعر العربي منذ العصور القديمة وثيقة تاريخية تحتوي على نصوص تحمل أبعادًا سياسية وفكرية وجمالية. فهو لا يقتصر على الجوانب الجمالية فحسب، بل يتداخل مع قضايا أوسع. ولهذا السبب، لجأ الشعراء العرب منذ العصر الجاهلي وحتى اليوم إلى استخدام رموز دينية وشعبية وأسطورية وطبيعية لبناء عوالمهم الشعرية. ومن بين هذه الرموز، نجد الحيوانات والطيور. لذا، دعونا نستعرض معًا أهم الحيوانات في الشعر الجاهلي .

الحيوانات في الشعر الجاهلي
الحيوانات في الشعر الجاهلي
  • “هذه الأجناس الكثيرة ما كان منها سبعًا أو بهيمة أو مشترك الخلق فإنّما هي مثبوتة في بلاد الوحش….. وهي في منازلهم ومناسئهم فقد نزلوا كما ترى بينها، وأقاموا معها، وهم أيضًا من بين النّاس وحش أو أشباه الوحش”.
  • ونتيجة لهذا الاختلاط أصبح الحيوان جزءًا من حياة الإنسان على مرّ العصور، حتّى أصبح سلوك الحيوان مضربًا للأمثال في الشّعر، وخصوصًا عند شعراء العصر الجاهليّ، فكان للقوّة يضرب مثل بملك الغابة الأسد، وللتّشاؤم يضرب المثل بالغراب، وللصّبر يضرب المثل بالبعير أو الجمل، لقدرته على تحمّل صعاب الصّحراء القاسية، وغيرها من الحيوانات.
  • بل وأصبح بعض الشّعراء يصوّر لنا صراعه مع حيوان، يمكن أن يكون أسطورة كالغول، كما فعل الشّاعر الصّعلوك تأبّط شرًا، فالحيوان جزء مهم جدًا من حياة الإنسان، ويمكن كسب الحيوان تلك الأهمّيّة؛ لأنّه يعيش مع الإنسان في نفس البيئة ويشاركه نفس الطعام واعتمادها الاثنين معًا على الأرض والمطر، فلهذا درس شعراء الجاهليّة حياة الحيوانات ووصفوها في شعرهم.
  • وكذلك فعل شعراء العصور الّتي جاءت من بعد الجاهليّة، وأخصّ بذلك أهل الأندلس، فلبيئتهم الّتي كانوا يعيشون بها، جعلت مخالطتهم للحيوان كبير الأثر، ووظّفوا شعر شعراء الجاهليّة في الحيوان، بقصائدهم.

شعر عن الحيوان الوفي

من أشهر الأبيات في الوفاء ما يأتي :

يقول الشاعر ابن الرومي :

من كلابٍ نأى بها كلَّ نأْيٍ
عن وفاءِ الكلابِ غدرُ الذئابِ

يقول الشاعر ابن زاكور :

عَاهَدُونَا عَلَى الْوَفَاءِ فَخَانُوا فَكَأنَّا
عَلَى الْخِلاَفِ اصْطَحَبْنَا
لَوْ عَلِمْنَا اطِّرَادَ نَقْضِ الأَمَانِي
لاعْتَمَدْنَا عَكْسَ الْمُرَادِ فَفُزْنا

يقول الشاعر البحتري :

عَزمي الوَفاءُ لِمَن وَفى
وَالغَدرُ لَيسَ بِهِ خَفا
صِلني أَصِلكَ فَإِن
تَخُن فَعَلى مَوَدَّتِكَ العَفا

يقول الشاعر ابن سناء الملك :

أَتطلب من زمانك ذا
وفاءَ وتأْمُلُ ذاك جَهْلاً
من بنيه لَقَدْ عَدِم الوفاءُ به
وإِني ل أَعْجَبُ من وفاءِ النيل فيه

يقول الإمام الشافعي :

لَيتَ الكِلابَ لَنا كانَت مُجاوِرَةً
وَلَيتَنا لا نَرى مِمّا نَرى أَحَدا
إِنَّ الكِلابَ لَتَهدي في مَواطِنِها
وَالخَلقُ لَيسَ بِهادٍ شَرُّهُم أَبَدا
فَاِهرُب بِنَفسِكَ وَاِستَأنِس بِوِحدَتِها
تَبقى سَعيداً إِذا ما كُنتَ مُنفَرِدا

يقول الشاعر أبو الحسين الجزار:

كيف حالَت بعد الوفاءِ عهودُه
وتَمَارى هِجرانه وصُدُودُه
وأمالتهُ للوشاة ظنونٌ
يُبدئ العذرُ وهمَها ويُعيدهُ

يقول الشاعر أبو العلاء المعري :

فَقَدتُ البُحورَ وَأَهلَ الوَفاءِ
وَأَصبَحتُ في غَدرٍ كَالغُدُر
وَما زالَ يَردُؤُ ذاكَ الجَوادُ
حَتّى أَبَرَّ عَلَيهِ الكُدُر

شعر عن الحيوانات المفترسة

الخنساء (ت 645م) فحين تصف أخاها صخراً تستعير له صورة الأسد المُدل من (أسود تبالة) وهو وادٍ شهير جنوب الطائف :

كَـــأَنَّ مُـــدِلًّاً مِـــنْ أُسُـــودِ تَبالةٍ ٍ :: يَـكُـونُ لَـهَـا حَـيْـثُ استدارت وَكَرَّتِ

وتضفي عليه صفات الأسود، التي تدافع عن أشبالها وتخضعُ لها الخادرات، وهي الأسود الأخرى، الخادرة في عرينها، حين تسمع زئيره في الفجر، فأن يكون صخرٌ شجاعاً بين شجعان أبلغ من أن يكون شجاعاً بين جماعة من الجبناء :

وَأَحيـا مِــن مُــخَبَّـأَةٍ كَـعـابٍ :: وَأَشـجَعَ مِن أَبي شِبلٍ هِزَبـرِ
هَــرَيـتِ الشَــدقِ رِئـبـالٍ إِذا :: مـا عَدا لَم تُنهَ عَدوَتُهُ بِزَجـرِ
ضُـبـارِمَـةٍ تَوَسَّـدَ ساعِـدَيـهِ :: عَــلى طُـرقِ الغُزاةِ وَكُلِّ بَحرِ
تَــــديــنُ الـخـادِراتُ لَــهُ إِذا :: ما سَمِعنَ زَئيرَهُ في كُلِّ فَـجرِ

شعر عن حيوان النمر

هذه أبياتٌ بليغة للنمر بن تولب العكلي -رضي الله عنه – في الحث على الجود والإنفاق وقد استحسنتها لحكمتها وجمال التصوير فيها ، قال النمِر بن تولب العكلي التيمي – من بني تيم اللات بن مر بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر :

أعاذل إن يصبح صداي بقفرةٍ
بعيداً نآني صاحبي و قريبي
تري أنَّ ما أبقيتُ لم أك ربَّهُ
وأنَّ الذي أنفقتُ كان نصيبي
وذي إبلٍ يرعى ويحسبها له
أخي نَصَبٍ في رعيها ودؤوبِ
غدت وغدا ربٌّ سواه يقودها
وبدِّلَ أحجاراً وجالَ قليبِ!

ومن أقدم الإشارات عن النمر في الشعر العربي ما قاله امرؤ القيس (ت 540م) عندما وصف من يحبهم بأن مساكنهم رؤوس الجبال حيث يعدو النمر على شياههم.

أَحَـبُّ إِلـَينا مـِن أُنـاسٍ بِقِـنَّــةٍ :: يَروحُ عَلى آثارِ شائِهِمُ النَمِر

والخنساء (ت 645م) وصفت أخاها صخراً وشجاعته، أنه كان كالنمر يمشي إلى الحروب هادئاً وسلاحه الأنياب والأظفار :

مَشى السَبَنتى إِلى هَيجاءَ مُعضِلَةٍ :: لَــهُ سِــلاحـانِ أَنـيـابٌ وَأَظـفــــارُ
ويقول دريد بن الصِّمَّة (ت 630م) راثيًا صديقه معاوية أخا الخنساء:
بِشِكَّةِ حازِمٍ لا عَيبَ فيهِ :: إِذا لَبِسَ الكُماةُ جُلودَ نَمرِ