الخيل والليل والبيداء تعرفني

يتردد كثيراً بيت الشعر الشهير لأبي الطيب المتنبي الذي يقول : ” الخيل والليل والبيداء تعرفني وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَمُ “، دون أن يدرك الكثيرون أن هذا البيت كان له دور في مقتله ، في هذا المقال سنستعرض معلومات مثيرة حول هذا البيت الشعري المعروف.

الخيل والليل والبيداء تعرفني
الخيل والليل والبيداء تعرفني

أما ترى ظفرا حلوا سوى ظفر** تصافحت فيه بيض الهندو اللمم
يا أعدل الناس إلا في معاملتي **** فيك الخصام و أنت الخصم والحكم
أعيذها نظرات منك صادقة **** أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
وما انتفاع اخي الدنيا بناظره ****إذا استوت عنده الأنوار و الظلم
سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا **** بانني خير من تسعى به قدم
انا الذي نظر العمى إلى ادبي **** و أسمعت كلماتي من به صمم
انام ملء جفوني عن شواردها **** ويسهر الخلق جراها و يختصم
و جاهل مده في جهله ضحكي **** حتى اتته يد فراسة و فم
إذا رايت نيوب الليث بارزة **** فلا تظنن ان الليث يبتسم
و مهجة مهجتي من هم صاحبها **** أدركته بجواد ظهره حرم
رجلاه في الركض رجل و اليدان يد ***** وفعله ماتريد الكف والقدم
ومرهف سرت بين الجحفلين به **** حتى ضربت و موج الموت يلتطم
الخيل والليل والبيداء تعرفني **** والسيف والرمح والقرطاس و القلم
صحبت في الفلوات الوحش منفردا ****حتى تعجب مني القور و الأكم
يا من يعز علينا ان نفارقهم **** وجداننا كل شيء بعدكم عدم
ما كان أخلقنا منكم بتكرمة **** لو ان أمركم من أمرنا أمم
إن كان سركم ما قال حاسدنا **** فما لجرح إذا أرضاكم ألم
و بيننا لو رعيتم ذاك معرفة **** غن المعارف في اهل النهى ذمم
كم تطلبون لنا عيبا فيعجزكم **** و يكره الله ما تأتون والكرم
ما أبعد العيب و النقصان عن شرفي **** أنا الثريا و ذان الشيب و الهرم
ليت الغمام الذي عندي صواعقه **** يزيلهن إلى من عنده الديم
أرى النوى تقتضينني كل مرحلة **** لا تستقل بها الوخادة الرسم
لئن تركن ضميرا عن ميامننا **** ليحدثن لمن ودعتهم ندم
إذا ترحلت عن قوم و قد قدروا **** أن لا تفارقهم فالراحلون هم
شر البلاد مكان لا صديق به **** و شر ما يكسب الإنسان ما يصم
و شر ما قنصته راحتي قنص **** شبه البزاة سواء فيه و الرخم
بأي لفظ تقول الشعر زعنفة **** تجوز عندك لا عرب ولا عجم
هذا عتابك إلا أنه مقة **** قد ضمن الدر إلا أنه كلم

واحر قلباه ممن قلبه شبم **** ومن بجسمي وحالي عنده سقم
ما لي أكتم حبا قد برى جسدي **** وتدعي حب سيف الدولة الأمم
إن كان يجمعنا حب لغرته **** فليت أنا بقدر الحب نقتسم
قد زرته و سيوف الهند مغمدة **** وقد نظرت إليه و السيوف دم
فكان أحسن خلق الله كلهم **** وكان أحسن مافي الأحسن الشيم
فوت العدو الذي يممته ظفر **** في طيه أسف في طيه نعم
قد ناب عنك شديد الخوف واصطنعت **** لك المهابة مالا تصنع البهم
ألزمت نفسك شيئا ليس يلزمها ****أن لا يواريهم بحر و لا علم
أكلما رمت جيشا فانثنى هربا **** تصرفت بك في آثاره الهمم
عليك هزمهم في كل معترك ** و ما عليك بهم عار إذا انهزموا

من قائل الخيل والليل والبيداء تعرفني

قائل “الخيل والليل والبيداء تعرفني” هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبدالصمد الجعفي الكوفي الكندي، المعروف بأبي الطيب المتنبي (303هـ-354هـ/915م-965م). يُعتبر الشاعر الحكيم أحد أعلام الأدب العربي، حيث يتميز بأمثاله السائرة وحكمه العميقة ومعانيه المبتكرة. ويُعد من أبرز شعراء الإسلام في تاريخ الأدب.

من قائل الخيل والليل والبيداء تعرفني
من قائل الخيل والليل والبيداء تعرفني
  • ولد بالكوفة في محلة تسمى “كندة” واليها نسبته. ونشأ بالشام، ثم تنقل في البادية يطلب الأدب وعلم العربية وأيام الناس. وقال الشعر صبياً. وتنبأ في بادية السماوة (بين الكوفة والشام) فتبعه كثيرون. وقبل أن يستفحل أمره خرج إليه لؤلؤ (أمير حمص ونائب الإخشيد) فأسره وسجنه حتى تاب ورجع عن دعواه.
  • ووفد على سيف الدولة ابن حمدان (صاحب حلب) سنة 337 هـ فمدحه وحظي عنده. ومضى إلى مصر فمدح كافور الإخشيدي وطلب منه أن يوليه، فلم يوله كافور، فغضب أبو الطيب وانصرف يهجوه. وقصد العراق، فقرئ عليه ديوانه. وزار بلاد فارس فمر بأرجان ومدح فيها ابن العميد وكانت له معه مساجلات.
  • ورحل إلى شيراز فمدح عضد الدولة ابن بويه الديلمي وعاد يريد بغداد فالكوفة، فعرض له فاتك بن أبي جهل الأسدي في الطريق بجماعة من أصحابه، ومع المتنبي جماعة أيضاً، فاقتتل الفريقان، فقتل أبو الطيب وابنه محسد وغلامه مفلح، بالنعمانية، بالقرب من دير العاقول (في الجانب الغربي من سواد بغداد) وفاتك هذا هو خال ضبة بن يزيد الأسدي العيني، الذي هجاه المتنبي بقصيدته البائية المعروفة. وهي من سقطات المتنبي وغيرها كثير من الاعمال التي قدمها.

قصة قصيدة الخيل والليل والبيداء تعرفني

بيت الشعر الذي أودى بحياة صاحبه – قد يبدو الأمر غريبًا في البداية عند سماعه للمرة الأولى، كيف يمكن لبيت شعر أن يتسبب في وفاة صاحبه؟ لكن هذه القصة حقيقية وقد حدثت بالفعل. فهناك بيت شعر كان السبب وراء موت صاحبه، وهو: “الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم”.

قصة قصيدة الخيل والليل والبيداء تعرفني
قصة قصيدة الخيل والليل والبيداء تعرفني
  • سمع المتنبي عن سيف الدولة الحمداني وحبه للعلم والعلماء والشعر والشعراء، فذهب إليه وطلب منه أن يمدحه، فأعجب سيف الدولة بشعره، وبدأ في هذا التوقيت علاقة وطيدة بينهما، وكتب المُتنبي العديد من أبيات الشعر التي يمدح فيها سيف الدولة، ولهذه القصائد مكانة رفيعة للمتنبي عند سيف الدولة.
  • ومع مرور الوقت، أوقع أعداء المتنبي بينه وبين سيف الدولة، ومع اضطراب الأحداث وتوتر العلاقة بينهما في هذه الفترة، غادر المُتنبي إلى مصر طمعا في ولاية من “كافور الإخشيدي” وقام المتنبي بمدحه على الرغم من أن المتنبي لم يكن يحبه، فكان مدحه غير صافي، لكن الإخشيدي انتبه إليه ولم يقربه منه ولم يعطه أي شئ ما جعل المُتنبي يهجو الإخشيدي ويهجو مصر بعد ذلك.
  • ثم هاجر المتنبي إلى بغداد مع مجموعة من طلابه ومحبيه، وكان معه خادمه وابنه، وأثناء سيرهم قابلهم رجل يُدعى “فاتك بن أبي جهل الأسدي” يرافقه مجموعة من رجاله، وهذا الرجل سبق أن هجاه المتنبي، فعندما رآه المتنبي فر هاربا، وعندما أوشك على الفرار، قال له غلامه: (لا يتحدّث الناس عنك بالفرار وأنت القائل: الخَيْلُ وَاللّيْلُ وَالبَيْداءُ تَعرِفُني وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَمُ) فردّ عليه المتنبي قائلاً : (قتلتني قتلك الله)، ثم عاد وقاتل الرجل الذي كان قد هجاه حتى قتل على يد هاجيه عام 965م.

شرح قصيدة الخيل والليل والبيداء تعرفني

لا شك أن المتنبي، الذي جاب الأماكن العربية والأجنبية كما لم يفعل شاعر في عصره، كان على دراية بالخيل والليل والصحراء. ومن المعروف أنه نشأ، وفقًا لعدة روايات، في صحراء السماوة. في ما يلي، سنقوم بشرح البيت الشعري الذي يقول فيه: “الخيل والليل والبيداء تعرفني”.

شرح قصيدة الخيل والليل والبيداء تعرفني
شرح قصيدة الخيل والليل والبيداء تعرفني
  • البيداء: الفلاة البعيدة عن الماء. والقرطاس: الكتاب فيه الكتابة يقول: أنا الجامع بين آداب السيف والقلم: فالخيل تعرفني بالفروسية لإدماني ركوبها، والليل يعرفني لدوام سيري في ظلامه، والبيداء تعرفني لإدماني قطعي إياها، ودوام سكناي فيها، والحرب يعرفني لكثرة مباشرتي له، والقرطاس والقلم يعرفاني لأني كاتب أديب. وقيل: أراد به أهل الخيل، وأهل البيداء الخ يعرفني.
  • (الجحفلين) أي العسكرين، والموجتين: هما صفتا العسكرين وأراد بالموج. الأمواج، فهو واحد من معنى الجمع، ولهذا قال: يلتطم، والالتطام لا يكون من واحد، ويجوز أن يكون الموج: جمع موجة يقول: رب سيف محدد شققت به الصفين، وضربت به الأعداء في حال اشتداد الحرب، والتطام موج الموت. وأراد به مقدمات الموت، من الضرب والطعن.
  • القور: جمع قارة، وهي صرة من الأرض، فيها حجارة سود، وقيل: جبل صغير أسود كأنه مطلي بالقار، والأكمة: الجبل الصغير، وجمعها الأكم، والآكام، وقيل: هي ما أرتفع من الأرض يقول: إني لا أزال أقطع المفاوز وحدي، من غير أن يدلني أحد. وأراد بذلك وصف شجاعته، وقيل: أراد بذلك أنه بدوي، تربيته مع الوحش، بين الأكم والقور