محتويات المقال
اللهم لك سجدت وبك آمنت
اللهم لك سجدت وبك آمنت ، ورد عن علي رضي الله عنه، عن النبي ﷺ، أنه كان يقول هذا عند قيامه للصلاة. وقد ذكر المؤلف حديثًا طويلًا تم تقسيمه إلى ثلاثة أجزاء، تتعلق بدعاء الاستفتاح، والركوع، والرفع من الركوع. ومن الجيد أن أذكر هنا نص الحديث المتعلق بالسجود.
- فأوَّله: “كان إذا قام إلى الصَّلاة” بهذا الإطلاق، فهنا لم يُحدد أنَّها صلاةُ تطوعٍ أو فريضةٍ، وهل هي صلاة الليل أو غير ذلك؟
- “كان إذا قام إلى الصَّلاة”، فظاهره الإطلاق أو العموم؟
- قال: وجهتُ وجهي للذي فطر السَّماوات والأرض حنيفًا، وما أنا من المشركين، إنَّ صلاتي ونُسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين، لا شريكَ له، وبذلك أُمِرْتُ، وأنا أوَّل المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي، وأنا عبدُك، ظلمتُ نفسي، واعترفتُ بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا، إنَّه لا يغفر الذنوبَ إلا أنت، إلى آخر دعاء الاستفتاح الذي مضى الكلامُ عليه.
- ذاك هو أول هذا الحديث الذي عندنا في السُّجود، وإذا ركع -نفس الحديث- قال: اللهم لك ركعتُ، وبك آمنتُ، ولك أسلمتُ، خشع لك سمعي وبصري ومخِّي وعظمي وعصبي، وهذا قد مضى أيضًا.
- وإذا رفع قال: اللهم ربنا لك الحمد، ملء السَّماوات، وملء الأرض، وملء ما شئتَ من شيءٍ بعد، وملء ما بينهما، وملء ما شئتَ من شيءٍ بعد.
- ثم يأتي ما يتعلَّق بالسُّجود: “وإذا سجد قال: اللهم لك سجدتُ، وبك آمنتُ، ولك أسلمتُ، سجد وجهي للذي خلقه وصوَّره، وشقَّ سمعَه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين”، وبقيت فيه بقيةٌ في آخر الحديث بين التَّشهد والتَّسليم، يعني: إذا فرغ من تشهده قبل أن يُسلم، فهذا الحديث أخرجه الإمامُ مسلمٌ في “صحيحه”.
اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وَجِلَّهُ
ثبت عن رسول الله ﷺ، وما مضى الكلامُ عليه مما يُقال في الركوع والسُّجود، فإنَّه تكفي الإشارةُ إلى ذلك في الموضع الآخر، يعني: إذا شُرح هذا في الركوع فإذا جاء ذكره في السُّجود فتكفي الإشارةُ إلى ذلك، ولا يحتاج إلى إعادة لشرحه، كقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، وقول: سبُّوح، قدُّوس، ربّ الملائكة والروح، وكذلك أيضًا: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، فهذا كلّه قد مضى الكلامُ عليه، فهو مما يُقال في الركوع والسُّجود.
- من هذه الأذكار والأدعية التي تُقال في السُّجود: ما رواه الإمامُ مسلمٌ في “صحيحه” من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-: أنَّ رسولَ الله ﷺ كان يقول في سجوده: اللهم اغفر لي ذنبي كلّه، دقّه وجلّه، وأوّله وآخره، وعلانيته وسرّه.
- فالنبي ﷺ كان يقول ذلك في سجوده، يعني: أحيانًا؛ لأنَّه ثبت عنه ﷺ أنَّه كان يقول غيره، كما مضى في جملةٍ من الأذكار في الليالي الماضية، وكونه يقول ذلك في السُّجود يحتمل أنه يقوله مع قول: سبحان ربي الأعلى كما مضى، ويحتمل أنَّه يقوله مُفردًا له، من غير ذكرٍ آخر يقوله معه، هذا احتمالٌ.
- وقوله: اللهم اغفر لي ذنبي كلّه عرفنا أنَّ الغفر ينتظم معنيين: السَّتر والوقاية. وقلنا: منه “المغفر” يستر رأسَ المقاتل، ويقيه أيضًا من ضرب السِّلاح، فإذا قال العبدُ: اللهم اغفر لي، يعني: يا الله، اغفر لي. فهو يطلب أن يستره، وأن يقيه تبعة الذَّنب، يعني: المؤاخذة، فيكون ذلك بالعفو والتَّجاوز والصَّفح.
- ذنبي ذنبٌ مُفردٌ مُضافٌ إلى ياء المتكلم، وهو معرفة، ومثل هذا يُفيد العموم، يعني: ذنوبي، هذا المعنى، لكنَّه أكَّد ذلك أيضًا بقوله: كلّه، وما ذكر بعده من قوله: دقّه وجلّه يمكن أن يكون ذلك أنَّه من قبيل التَّفصيل لأنواع هذا الذَّنب: إمَّا أن يكون من الأمور الصَّغيرة، أو من الأمور الكبيرة، أو يكون ذلك لبيان هذا الذَّنب، أو يكون ذلك بتقدير: اغفر لي ذنبي كلّه أعني: دقّه وجلّه، ودقّه يعني: دقيقه وصغيره، فإنَّ الصَّغائر تجتمع على العبد حتى تُهلكه إذا تكاثرت.
- وقد مثَّلها النبيُّ -عليه الصَّلاة والسَّلام-: كمثل قومٍ نزلوا أرض فلاةٍ، فحضر صنيع القوم، فجعل الرجلُ ينطلق فيجيء بالعود، والرجل يجيء بالعود، حتى جمعوا سوادًا، فأجَّجوا نارًا، وأنضجوا ما قذفوا فيها، فالذُّنوب الصِّغار يُحاسَب الإنسانُ عليها.
اللهم اكتب لي بها عندك أجراً
حديثَ عائشة -رضي الله تعالى عنها-، قالت: كان رسولُ الله ﷺ يقول في سجود القرآن: سجد وجهي للذي خلقَه، وشقَّ سمعه وبصره بحوله وقُوَّته.
- وفي لفظٍ: كان رسولُ الله ﷺ يقول في سجود القرآن بالليل. يعني: في صلاة الليل: سجد وجهي للذي خلقَه، وشقَّ سمعه وبصره بحوله وقوَّته، فتبارك الله أحسن الخالقين.
- هذا الحديث أخرجه أبو داود، والترمذي، والنَّسائي، وقال عنه الترمذيُّ: حسنٌ صحيحٌ. وصححه الحاكم، وقال: على شرط الشَّيخين. ووافقه الذَّهبي، وقد صحَّحه أو حسَّنه الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله-.
- فقوله في هذا الحديث: سجد وجهي للذي خلقَه، وشقَّ سمعَه وبصره، قوله: سجد وجهي يُحمل على الوجه، لا على الذات، وذلك أنَّه قال: وشقَّ سمعَه وبصرَه، فهذا كلّه مما يتَّصل بالوجه، يعني: شقَّ سمعَه وبصره فتحهما، وأعطاهما الإدراك بحوله وقوَّته -تبارك وتعالى-، يعني: هو الذي صرفهما هذا التَّصريف، ودبَّرهما هذا التَّدبير، فإنَّه لا تحول من حالٍ إلى حالٍ إلا بعون الله -تبارك وتعالى- وقوّته، وإرادته، وتدبيره: بحوله وقوَّته، فالله -تبارك وتعالى- هو الذي يخلق ذلك، ويصرفه، ويُوجِده، ولا يستطيعه أحدٌ سواه: شقَّ سمعَه وبصرَه بحوله وقُوَّته.
- وفي الرِّواية الأخرى بزيادة: فتبارك الله أحسن الخالقين، وقد مضى الكلامُ على مثل هذا، وقلنا: “أحسن الخالقين” فسَّره بعضُ أهل العلم: بالمقدِّرين. قلنا: إنَّ الخلقَ يأتي لمعانٍ منها التَّقدير، وكذلك التَّصوير، فهو أحسن الخالقين، أحسن المقدِّرين، والمصورين، يبقى المعنى الثالث: وهو الإيجاد من العدم، هذا يختصُّ بالله -تبارك وتعالى-، ولا يُضاف إلى المخلوقين؛ لهذا قال: أحسن الخالقين، فالذي يكون من المخلوقين مما يُضاف إليهم مما يكون من قبيل الخلق إنما هو التَّشكيل والتَّصوير، أو التَّقدير: وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا [العنكبوت:17].