محتويات المقال
قصائد ابو فراس الحمداني
أبو فراس الحمداني هو شاعر وأمير وفارس، وابن عم سيف الدولة. شارك في العديد من المعارك إلى جانب سيف الدولة، الذي كان يكن له حباً كبيراً ويأخذه معه في غزواته، ويقدّمه على باقي القوم. تعرض أبو فراس لجروح في معركة ضد الروم، حيث أُسر وبقي في القسطنطينية، لكن سيف الدولة فداه بمبالغ طائلة. توفي أبو فراس قتيلاً في صدد، وترك وراءه مجموعة من القصائد، أبرزها تلك التي كتبها خلال فترة أسره، والتي عُرفت باسم “الروميات”. اشتهر قصائد ابو فراس الحمداني تتميز بقوة الألفاظ ورقة المشاعر، وسنستعرض لكم أهمها.
أَما يَردَعُ المَوتُ أَهلَ النُهى
وَيَمنَعُ عَن غِيِّهِ مَن غَوى
أَما عالِمٌ عارِفٌ بِالزَمانِ
يَروحُ وَيَغدو قَصيرَ الخُطا
فَيا لاهِياً آمِناً وَالحِمامُ
إِلَيهِ سَريعٌ قَريبُ المَدى
يُسَرُّ بِشَيءٍ كَأَن قَد مَضى
وَيَأمَنُ شَيئاً كَأَن قَد أَتى
إِذا مامَرَرتَ بِأَهلِ القُبورِ
تَيَقَّنتَ أَنَّكَ مِنهُم غَدا
وَأَنَّ العَزيزَ بَها وَالذَليلَ
سَواءٌ إِذا أُسلِما لِلبِلى
غَريبَينِ مالَهُما مُؤنِسٌ
وَحيدَينِ تَحتَ طِباقِ الثَرى
فَلا أَمَلٌ غَيرَ عَفوِ الإِلَهِ
وَلا عَمَلٌ غَيرُ ماقَد مَضى
فَإِن كانَ خَيراً فَخَيراً تَنالُ
وَإِن كانَ شَرّاً فَشَرّاً تَرى
أوصيك بالحزن ولا أوصيك بالجلد جل المصاب عن التعنيف والفند
إنى أجلك أن تكفى بتعزية عن خير مفتقد ياخير مفتقد
هي الرزية إن ضنت بما ملكت منها الجفون فما تسخو على أحد
بى مثل مابك من حزن زومن جزع وقد لجأت إلى صبر فلم أجد
لم ينتقصنى بعدى عنك من حزن هي المواساة في قرب وفى بعد
لأشركنك في الأواء إن طرقت كم شركتك في النعماء والرغد
أيكي بدمع له من حسرتى مدد وأستريح إلى صبر بلا مدد
ولاأسوغ نفسي فرحة أبدا وقد عرفت الذي تلقاه من كمد
وأمنع النوم عينى أن يلم بها علما بأنك موقوف على السهد
يامفردا بات ينكى لا معين له أعانك الله بالتسليم والجلد
هذا الأسير المبقى لا فداء لها يفديك بالنفس والأهلين والولد
أمـــا لجــميل عنــدكن ثــواب
ولا لمســـيء عنــدكن متــاب
إذا الخــل لــم يهجـرك إلا ملالـة
فليس لـــه إلا الفــراق, عتــاب
إذا لــم أجـد مـن خلـة مـا أريـده
فعنــدي لأخــرى عزمـة وركـاب
وليس فـراق مـا اسـتطعت فـإن يكن
فــراق عــلى حــال فليس إيـاب
صبـور ولـو لـم يبـق منـي بقيـة
قئــول ولــو أن السـيوف جـواب
وقــور وأحـداث الزمـان تنوشـني
وللمــوت حــولي جيئـة وذهـاب
بمــن يثــق الإنسـان فيمـا ينوبـه
ومـن أيـن للحـر الكـريم صحـاب
وقــد صـار هـذا النـاس إلا أقلهـم
ذئابــا عــلى أجســادهن ثيــاب
تغــابيت عـن قـوم فظنـوا غبـاوة
بمفــرق أغبانــا حـصى وتـراب
ولـو عرفـوني بعـض معـرفتي بهم
إذا علمــوا أنــي شـهدت وغـابوا
إلــى اللــه أشــكو أننـا بمنـازل
تحـــكم فــي آســادهن كــلاب
تمــر الليــالي ليس للنفـع مـوضع
لـــدي ولا للمعتفيـــن جناب
ولا شـد لـي سـرج عـلى متن سابح
ولا ضــربت لــي بـالعراء قبـاب
ولا برقت لي في اللقاء قواطع
ولا لمعت لي في الحروب حراب
ستذكر أيامي نمــير وعامر
وكعب عــلى علاتهـا وكلاب
أنا الجار لا زادي بطيء عليهم
ولا دون مالي فـي الحوادث باب
ولا أطلب العوراء منها أصيبه
ولا عورتي للطالبين تصاب
قصيدة أبو فراس الحمداني في الأسر
من أبرز القصائد التي نظمها أبو فراس خلال فترة أسره، حيث يتناول في هذه الأبيات موضوع سيف الدولة وتأخره في مساعدته على الخروج من الأسر.
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر
أما للهوى نهي عليك ولا أمر
بلى أنا مُشتاق وعندي لوعة
ولكن مثلي لا يذاع له سر
إذا الليل أضناني بسطت يد الهوى
وأذللت دمعا من خلائقه الكبر
تكاد تضيء النار بين جوانحي
إذا هي أذكتها الصبابة والفكر
معللتي بالوصل والموت دونه
إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر
شعر أبو فراس الحمداني في الفخر
يبدو أن شعر أبي فراس في الفخر يشبه شعر عمر بن كلثوم من حيث قوة العاطفة وصدق الانفعال، مع الابتعاد عن التعقيد والتكلف. فهو يقول :
ولما ثارَ سيف الدين ثرنا
كما هيجت آساداً غِضابا
أسنّته إذا لاقى طِعاناً
صوارُمه إذا لاقى ضرابا
ولما أشتدت الهيجاءُ كنا
أشدّ مخالباً، واحدَّ نابا
فلمَّا أيقنوا لا غياثٌ
دعوُه للمعونة فأستَجابا
ديارهم انتزعناها أقتساراً
وأرضهم أغتصبناها أغتصاباً
ولو شئنا حميناها البوادي
كما تحمي أسُود الغاب غابا
قصائد أبو فراس الحمداني غزل
نموذج قصائد أبو فراس الحمداني غزل :
أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصّبرُ،
أما للهوى نهيٌّ عليكَ ولا أمرُ ؟
بلى أنا مشتاقٌ وعنديَ لوعة ٌ ،
ولكنَّ مثلي لا يذاعُ لهُ سرُّ !
إذا الليلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى
وأذللتُ دمعاً منْ خلائقهُ الكبرُ
تَكادُ تُضِيءُ النّارُ بينَ جَوَانِحِي
إذا هيَ أذْكَتْهَا الصّبَابَة ُ والفِكْرُ
معللتي بالوصلِ ، والموتُ دونهُ ،
إذا مِتّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ!
حفظتُ وضيعتِ المودة َ بيننا
و أحسنَ ، منْ بعضِ الوفاءِ لكِ ، العذرُ
و ما هذهِ الأيامُ إلا صحائفٌ
لأحرفها ، من كفِّ كاتبها بشرُ
بنَفسي مِنَ الغَادِينَ في الحَيّ غَادَة ً
هوايَ لها ذنبٌ ، وبهجتها عذرُ
تَرُوغُ إلى الوَاشِينَ فيّ، وإنّ لي
لأذْناً بهَا، عَنْ كُلّ وَاشِيَة ٍ، وَقرُ
بدوتُ ، وأهلي حاضرونَ ، لأنني
أرى أنَّ داراً ، استِ من أهلها ، قفرُ
وَحَارَبْتُ قَوْمي في هَوَاكِ، وإنّهُمْ
وإيايَ ، لولا حبكِ ، الماءُ والخمرُ
فإنْ كانَ ما قالَ الوشاة ُ ولمْ يكنْ
فَقَد يَهدِمُ الإيمانُ مَا شَيّدَ الكُفرُ
وفيتُ ، وفي بعضِ الوفاءِ مذلة ٌ
لآنسة ٍ في الحي شيمتها الغدرُ
وَقُورٌ، وَرَيْعَانُ الصِّبَا يَسْتَفِزّها،
فتأرنُ ، أحياناً ، كما يأرنُ المهرُ
تسائلني: ” منْ أنتَ ؟ ” ، وهي عليمة ٌ ،
وَهَلْ بِفَتى ً مِثْلي عَلى حَالِهِ نُكرُ؟
فقلتُ ، كما شاءتْ ، وشاءَ لها الهوى :
قَتِيلُكِ! قالَتْ: أيّهُمْ؟ فهُمُ كُثرُ
فقلتُ لها: ” لو شئتِ لمْ تتعنتي ،
وَلمْ تَسألي عَني وَعِنْدَكِ بي خُبرُ!
فقالتْ: ” لقد أزرى بكَ الدهرُ بعدنا!
فقلتُ: “معاذَ اللهِ! بلْ أنت لاِ الدهرُ،
وَما كانَ للأحزَانِ، لَوْلاكِ، مَسلَكٌ
إلى القلبِ؛ لكنَّ الهوى للبلى جسرُ
وَتَهْلِكُ بَينَ الهَزْلِ والجِدّ مُهجَة ٌ
إذا مَا عَداها البَينُ عَذّبَها الهَجْرُ
فأيقنتُ أنْ لا عزَّ ، بعدي ، لعاشقٍ ؛
وَأنُّ يَدِي مِمّا عَلِقْتُ بِهِ صِفْرُ
وقلبتُ أمري لا أرى لي راحة ً ،
إذا البَينُ أنْسَاني ألَحّ بيَ الهَجْرُ
فَعُدْتُ إلى حكمِ الزّمانِ وَحكمِها،
لَهَا الذّنْبُ لا تُجْزَى به وَليَ العُذْرُ
كَأني أُنَادي دُونَ مَيْثَاءَ ظَبْيَة ً
على شرفٍ ظمياءَ جللها الذعرُ
تجفَّلُ حيناً ، ثم تدنو كأنما
تنادي طلا ـ، بالوادِ ، أعجزهُ الحضرُ
فلا تنكريني ، يابنة َ العمِّ ، إنهُ
ليَعرِفُ مَن أنكَرْتِهِ البَدْوُ وَالحَضْرُ
ولا تنكريني ، إنني غيرُ منكرٍ
إذا زلتِ الأقدامِ ؛ واستنزلَ النضرُ
وإني لجرارٌ لكلِّ كتيبة ٍ
معودة ٍ أنْ لا يخلَّ بها النصرُ
و إني لنزالٌ بكلِّ مخوفة ٍ
كثيرٌ إلى نزالها النظرُ الشزرُ
فَأَظمأُ حتى تَرْتَوي البِيضُ وَالقَنَا
وَأسْغَبُ حتى يَشبَعَ الذّئبُ وَالنّسرُ
وَلا أُصْبِحُ الحَيَّ الخَلُوفَ بِغَارَة ٍ،
وَلا الجَيشَ مَا لمْ تأتِه قَبليَ النُّذْرُ
وَيا رُبّ دَارٍ، لمْ تَخَفْني، مَنِيعَة ٍ
طلعتُ عليها بالردى ، أنا والفجرُ
و حيّ ٍرددتُ الخيلَ حتى ملكتهُ
هزيماً وردتني البراقعُ والخمرُ
وَسَاحِبَة ِ الأذْيالِ نَحوي، لَقِيتُهَا
فلمْ يلقها جهمُ اللقاءِ ، ولا وعرُ
وَهَبْتُ لهَا مَا حَازَهُ الجَيشُ كُلَّهُ
و رحتُ ، ولمْ يكشفْ لأثوابها سترُ
و لا راحَ يطغيني بأثوابهِ الغنى
و لا باتَ يثنيني عن الكرمِ
و ما حاجتي بالمالِ أبغي وفورهُ ؟
إذا لم أفِرْ عِرْضِي فَلا وَفَرَ الوَفْرُ
أسرتُ وما صحبي بعزلٍ، لدى الوغى ،
ولا فرسي مهرٌ ، ولا ربهُ غمرُ !
و لكنْ إذا حمَّ القضاءُ على أمرىء
فليسَ لهُ برٌّ يقيهِ، ولا بحرُ !
وقالَ أصيحابي: ” الفرارُ أوالردى ؟ “
فقُلتُ: هُمَا أمرَانِ، أحلاهُما مُرّ
وَلَكِنّني أمْضِي لِمَا لا يَعِيبُني،
وَحَسبُكَ من أمرَينِ خَيرُهما الأسْرُ
يقولونَ لي: ” بعتَ السلامة َ بالردى “
فَقُلْتُ: أمَا وَالله، مَا نَالَني خُسْرُ
و هلْ يتجافى عني الموتُ ساعة ً ،
إذَا مَا تَجَافَى عَنيَ الأسْرُ وَالضّرّ؟
هُوَ المَوْتُ، فاختَرْ ما عَلا لك ذِكْرُه،
فلمْ يمتِ الإنسانُ ما حييَ الذكرُ
و لا خيرَ في دفعِ الردى بمذلة ٍ
كما ردها ، يوماً بسوءتهِ ” عمرو”
يمنونَ أنْ خلوا ثيابي ، وإنما
عليَّ ثيابٌ ، من دمائهمُ حمرُ
و قائم سيفي ، فيهمُ ، اندقَّ نصلهُ
وَأعقابُ رُمحٍ فيهِمُ حُطّمَ الصّدرُ
سَيَذْكُرُني قَوْمي إذا جَدّ جدّهُمْ،
وفي الليلة ِ الظلماءِ ، يفتقدُ البدرُ
فإنْ عِشْتُ فَالطّعْنُ الذي يَعْرِفُونَه
و تلكَ القنا ، والبيضُ والضمرُ الشقرُ
وَإنْ مُتّ فالإنْسَانُ لا بُدّ مَيّتٌ
وَإنْ طَالَتِ الأيّامُ، وَانْفَسَحَ العمرُ
ولوْ سدَّ غيري ، ما سددتُ ، اكتفوا بهِ؛
وما كانَ يغلو التبرُ ، لو نفقَ الصفرُ
وَنَحْنُ أُنَاسٌ، لا تَوَسُّطَ عِنْدَنَا،
لَنَا الصّدرُ، دُونَ العالَمينَ، أو القَبرُ
تَهُونُ عَلَيْنَا في المَعَالي نُفُوسُنَا،
و منْ خطبَ الحسناءَ لمْ يغلها المهرُ
أعزُّ بني الدنيا ، وأعلى ذوي العلا ،
وَأكرَمُ مَن فَوقَ الترَابِ وَلا فَخْرُ