قصائد بدر شاكر السياب

كتب الشاعر العراقي بدر شاكر السياب العديد من القصائد في العصر الحديث، والتي تم جمعها في ديوان مقسم إلى جزأين. يحتوي هذا الديوان على مجموعة من القصائد الطويلة، بالإضافة إلى وجود قصائد أخرى لم تُنشر له. يُعتبر السياب من أبرز الشعراء الذين أبدعوا في الشعر الحر، حيث عكس في شعره الوجداني عمق مشاعره وتجربته الشخصية. كما يتميز شعره بحضور الرموز الدالة، وهناك العديد من اقصائد بدر شاكر السياب خاصة تلك المتعلقة بالغزل العذري والحب.

قصائد بدر شاكر السياب
قصائد بدر شاكر السياب

لأنّي غريب
لأنّ العراق الحبيب
بعيد و أني هنا في اشتياق
إليه إليها أنادي : عراق
فيرجع لي من ندائي نحيب
تفجر عنه الصدى
أحسّ بأني عبرت المدى
إلى عالم من ردى لا يجيب
ندائي
و إمّا هززت الغصون
فما يتساقط غير الردى
حجار
حجار و ما من ثمار
و حتى العيون
حجار و حتى الهواء الرطيب
حجار يندّيه بعض الدم
حجار ندائي و صخر فمي
و رجلاي ريح تجوب القفار
قصيدة سفر أيوب
لك الحمد مهما استطال البلاء
ومهما استبدّ الألم
لك الحمد، إن الرزايا عطاء
وإن المصيبات بعض الكرم
ألم تُعطني أنت هذا الظلام
وأعطيتني أنت هذا السّحر؟
فهل تشكر الأرض قطر المطر
وتغضب إن لم يجدها الغمام؟

عملاء قاسم يطلقون النار آه على الربيع
سيذوب ما جمعوه من مال حرام كالجليد
ليعود ماء منه تطفح كل ساقية يعيد
ألق الحياة إلى الغصون اليابسات فتستعيد
ما لص منها في الشتاء القاسمي فلا يضيع
يا للعراق
يا للعراق أكاد ألمح عبر زاخرة البحار
في كل منعطف و درب أو طريق أو زقاق
عبر الموانئ و الدروب
فيه الوجوه الضاحكات تقول قد هرب التتار
و الله عاد إلى الجوامع بعد أن طلع النهار
طلع النهار فلا غروب
يا حفصة ابتسمي فثغرك زهرة بين السهوب
أخذت من العملاء ثأرك كف شعبي حين ثار
فهوى إلى سقر عدو الشعب فانطلقت قلوب
كانت تخاف فلا تحن إلى أخ عبر الحدود
كانت على مهل تذوب
كانت إذا مال الغروب
رفعت إلى الله الدعاء ألا أغثنا من ثمود
من ذلك المجنون يعشق كل أحمر فالدماء
تجري و ألسنة اللهيب تمد يعجبه الدمار
أحرقه بالنيران تهبط كالجحيم من السماء
و اصرعه صرعا بالرّصاص فإنّه شبح الوباء
هرع الطبيب إليّ آه لعلّه عرف الدواء
للداء في جسدي فجاء
هرع الطبيب إليّ و هو يقول ماذا في العراق
الجيش ثار و مات قاسم أيّ بشرى بالشّفاء
و لكدت من فرحي أقوم أسير أعدو دون داء
مرحى له أي انطلاق
مرحى لجيش الأمة العربية انتزع الوثاق
يا أخوتي بالله بالدم بالعروبة بالرجاء
هبّوا فقد صرع الطغاة و بدّد الليل الضياء
فلتحرسوها ثورة عربيّة صعق الرّفاق
منها وخر الظالمون
لأن تموز استفاق
من بعد ما سرق العميل سناه فانبعث العراق

أشد جراحي وأهتف
بالعائدين:
ألا فانظروا واحسدوني
فهذى هدايا حبيبي
جميل هو السّهدُ أرعى سما
بعينيّ حتى تغيب النجوم
ويلمس شبّاك داري سناك
جميل هو الليل أصداء يوم
وأبواق سيارة من بعيد
وآهاتُ مرضى، وأم تُعيد
أساطير آبائها للوليد
وغابات ليل السُّهاد الغيوم
تحجّبُ وجه السماء
وتجلوه تحت القمر
وإن صاح أيوب كان النداء:
لك الحمد يا رامياً بالقدر
ويا كاتباً، بعد ذاك، الشفاء

شهور طوال وهذي الجراح
تمزّق جنبي مثل المدى
ولا يهدأ الداء عند الصباح
ولا يمسح اللّيل أوجاعه بالردى
ولكنّ أيّوب إن صاح صاح:
لك الحمد، إن الرزايا ندى
وإنّ الجراح هدايا الحبيب
أضمّ إلى الصّدر باقاتها
هداياك في خافقي لا تغيب
هداياك مقبولة. هاتها

قصائد بدر شاكر السياب عن الحب

من أجمل قصائد بدر شاكر السياب عن الحب :

وحجَبت خدّيك عن ناظريّ بكفيّكِ حيناً,وبالمِروَحات
سأشدو,وأشدو,فما تصنعين إذا احمر خدّاكِ للأغنيات ؟
وأرخيتِ كفيكِ مبهورتين وأصغيتِ,واخضل حتى الموات
إلى أن يموت الشعاعُ الأخيرُ على الشرق,والحب,والأمنيات:
وهيهات,إن الهوى لن يموت ولكنّ بعض الهوى يأفلُ
كما يأفل الأنجمُ الساهرات , كما يغرب الناظِرُ المُسبَلُ,
كما تستجمُّ البحارُ الفساح ملياً , كما يرقد الجدول
كنَوْمِ اللظى ,كانطواء الجناح كما يصمتُ النايُ والشمالُ!
أفق يذوب على الحنين ,يكاد يَغرقُ في صفائه
يطويه ظلُّ من جناحِ ,ضاع فيه صدى غنائه
أهدابُّكِ السوداء تحملني ,فأوُمِضُ في انطفائه
من أنت ؟! سوف تمرُّ أيامي وانسجها ستاراً
هيهاتُ تحرقه شفاهُكِ وهي تستعر استعاراً؛
لا تَلمسيه .. فأنت ظِلّ ُليس يخترقُ القرارا
أختاه لذ ّ على الهوى ألمي فاستمتعي بهواك وابتسمي
هاتي اللهيب فلست أرهبه, ما كان حبك أول الحمم
ما زلت محترقاً تلقفني نار من الأوهام كالظلم
سوداء لا نور يضئ بها كرقاد حمى دونما حلم
هي ومضة ألقى الوجود بها جذلان يرقص عاري القدم
هاتي لهيبك إن فيه سناً يهدي خطاي ..ولو إلى العدم
عينان زرقاوان.. ينعس فيهما لون الغدير
أرنو فينساب الخيالُ وينصتُ القلب الكسير
وأغيبُ في نغم يذوب ..وفي غمائم من عبير
بيضاء مكسال التلوّي تستفيق على خرير
ناءٍ..يموت وقد تثاءب كوكب الليل الأخير
يمضي على مهل ٍ,وأسمع همستين ..وأستدير
فأذوب في عينين ينعس فيهما الغدير
عيناكِ..أم غاب ينام على وسائد من ظلال ؟
ساج ٍ تلثم بالسكون فلا حفيف ولا انثيال
إلا صدى واه يسيل على قياثر الخيال
إني أحس الذكريات يلفها ظل ابتهال …
في مقلتيك مدى تذوب عليه أحلام طوال ,
وغفا الزمان ..فلا صباح ,ولا مساء, ولا زوال !
إني أضيع مع الضباب ..سوى بقايا من سؤال ؛
عيناك ..أم غاب ينام على وسائد من ظلال ؟

قصيدة بدر شاكر السياب في رثاء زوجته

قصيدة بدر شاكر السياب في رثاء زوجته ليلة وداع :

أوصدي الباب فدنيا لست فيها
ليس تستأهل من عيني نظرة
سوف تمضين و أبقى أي حسرة
أتمنى لك ألا تعرفيها
آه لو تدرين ما معنى ثواني في سرير من دم
ميت الساقين محموم الجبين
تأكل الظلماء عيناي و يحسوها فمي
تائها في واحة خلف جدار من سنين
و أنين
مستطار اللب بين الأنجم
في غد تمضين صفراء اليد
لا هوى أو مغنم نحو العراق
و تحسين بأسلاك الفراق
شائكات حول سهل أجرد
مدها ذاك المدى ذاك الخليج
و الصحارى و الروابي و الحدود
أي ريش من دموع أو نشيج
سوف يعطينا جناحين نرود
بهما أفق الدجى أو قبة الصبح البهيج
للتلاقي
كل ما يربط فيما بيننا محض حنين و اشتياق
ربما خالطه بعض النفاق
آه لو كنت كما كنت صريحة
لنفضنا من قرار القلب ما يحشو جروحة
ربما أبصرت بعض الحقد بعض السأم
خصلة من شعر أخرى أو بقايا نغم
زرعتها في حياتي شاعره
لست أهواها كما أهواك يا أغلى دم ساقي دمي
إنها ذكرى و لكنك غيرى ثائرة
من حياة عشتها قبل لقانا
وهوى قبل هوانا
أوصدي الباب غدا تطويك عني طائرة
غير حب سوف يبقى في دمانا

قصائد بدر شاكر السياب عن الوطن

من نماذج قصائد بدر شاكر السياب عن الوطن :

الريح تَلهثُ بالهَجيرة، كالجُثام على الأصيل
وعلى القُلوع تظلُّ تُطوَى أو تُنشَّرُ للرّحيل
زحم الخليجِ بهنَّ مُكتدِحون جوَّابو بِحار
من كلّ حافٍ نِصف عاري
وعلى الرِمالِ على الخَليج
جلس الغريب، يُسرِّحُ البَصرَ المُحيَّر في الخليج
و يَهُدُّ أعمِدةَ الضِّياءِ بِما يُصعِّدُ من نشيج
أعلى من العبّابِ يَهدرُ رغوُهُ و من الضّجيج
صوتٌ تفجَّرَ في قرارة نفسيَ الثَّكلى: عِراق
كالمدّ يصعَدُ كالسّحابة كالدّموع إلى العيون
الرّيحُ تصرخُ بي عِراق
والمَوجُ يُعوِلُ بي عراق، عراق، ليسَ سِوى عراق
البحرُ أوسعُ ما يكون و أنتَ أبعدُ ما يكون
والبحرُ دونَكَ يا عراق
بالأمسِ حينَ مررتُ بالمَقهى، سَمعتُكَ يا عراق
وكُنتَ دورةَ أسطوانة
هيَ دورةُ الأفلاكِ في عُمُري، تُكوِّر لي زَمانَه
في لَحظتينِ منَ الأمَان، و إنْ تَكُن فقدَت مكانَه
هي وَجهُ أُمي في الظّلام
وصوتُها، يتزلَّقانِ مع الرُّؤى حتّى أنام
وهي النّخيلُ أخافُ منه إذا ادلهمَّ مع الغروب

ارمي السَّماءَ بنظرةِ إستهزاءِ
واجعلْ شرابكَ منْ دَمِ الأشلاءَ
واسترْ بغيركَ يا يزيدَ فقَد ثَوى
عنكَ الحسينُ ممزَّقَ الأحشاءِ
وانظُر إلى الأجيالِ ياخذُ مُقبلٌ
عن ذاهٍبٍ ذِكرى أبي الشُّهداءِ
كالمشعَلِ الوهَّاجِ إلا أنَّها
نُور الإلهِ يجلُّ عنْ إطفاءِ
غَصَت بيَ الذِكرى فألقَتْ ظِلها
في ناظرَيَّ كواكِبُ الصَحراءِ
مبهورةَ الأضواءِ يُغشي وَمضَها
أشباحَ رَكبٍ لُجَّ في الإسراءِ
أضفَى عليهِ الليلُ سِترًا حِيكَ
من عَرفِ الجِنانِ ومن ظِلالِ حَراءِ
أسرى ونامَ وليسَ إلا هَمسَةٌ
باسم الحُسينِ وجهةَ استبكاءِ
تلكَ ابنةُ الزَّهراء وَلْهَى رَاعها
حِلمٌ ألمَّ بها معَ الظَّلماءِ
تُنبي أخاها وهي تُخفي وَجهها
ذعرًا وتَلوي الجيدَ من إعياءِ
عن ذلكَ السهلِ المُلبَّدِ يرتمي
في الأُفقِ مثلَ الغيمَةِ السوداءِ
يكتظُ بالأشباح ظَمأى حَشرَجت
ثمَّ اشرأبَت في انتظارِ الماءِ
مفضورةَ الأفواهِ إلى جُثةٌ
من غيرِ رأسٍ لُطِّخت بِدماءِ
زَحَفَت إلى ماءٍ تَراءى ثمَّ لَم
تبلُغُهُ وانكفأت على الحصباءِ
غَيرَ الحُسين تصدُهُ عمَّن تَرى
رُؤيا فكُفِّي يا ابنةَ الزهراءِ
بأبي عُطاشى لاغبينَ ورُضَّعاً
صُفرَ الشفاهِ خَمائص الأحشاءِ
أيدٍ تمدُّ إلى السماءِ وأعيُنٌ
ترنو إلى الماءِ القريبِ النائي
عزَّ الحُسين وجلَّ عن أن يَشتري
جَمَ الخَطايا يا طائشَ الأهواءِ
ألا يموتُ ولا يُوالي مارقاً
ريَّ الغليلِ بخُطبةٍ مَكراءِ
عاجت بيَ الذِكرى عليها ساعة
مرَّ الزَّمانُ بِها على استحياءِ
خَضَعَت لتكشِفَ عن رضيعٍ ناحل
ذبلت مراشِفَهُ ذبولَ حِباء

قصيدة بدر شاكر السياب عن المرض

قصيدة مميزة للشاعر العربي العظيم بدر شاكر السياب، كتبها أثناء مرضه الذي توفي فيه. يعبر فيها عن شكره لله على كل ما قدمه، ويستحضر حكمته تعالى في العطاء والابتلاء.

لكَ الحَمدُ مهما إستطالَ البلاء
ومهما إستبدٌ الألم
لكَ الحمدُ إن ٌ الرزايا عطاء
وإنٌ المَصيبات بعض الكَرَم
ألم تُعطني أنت هذا الظلام
وأعطيتني أنت هذا السّحر؟
فهل تشكر الأرض قَطْر المطر
وتغضب إن لم يجدها الغمام؟
شهور طوال وهذي الجِراح
تمزّق جنبي مثل المدى
ولا يهدأ الداء عند الصباح
ولا يمسح اللّيل أو جاعه بالردى.
ولكنّ أيّوب إن صاح صاح
لك الحمد، ان الرزايا ندى
وإنّ الجراح هدايا الحبيب
أضمٌ إلى الصدر ِ باقتها
هداياكَ في خافقي لاتَغيب
هاتها … هداياكَ مقبولةُ
أشد جراحي وأهتف
بالعائدين
ألا فانظروا واحسدوني
فهذى هدايا حبيبي
وإن مسّت النار حرّ الجبين
توهّمتُها قُبلة منك مجبولة من لهيب.
جميل هو السّهدُ أرعى سماك
بعينيّ حتى تغيب النجوم
ويلمس شبّاك داري سناك.
جميل هو الليل: أصداء بوم
وأبواق سيارة من بعيد
وآهاتُ مرضى، وأم تُعيد
أساطير آبائها للوليد
وغابات ليل السُّهاد، الغيوم
تحجّبُ وجه السماء
وتجلوه تحت القمر
وإن صاح أيوب كان النداء
لك الحمد يا رامياً بالقدر
ويا كاتبا ً بعد ذاكَ الشفاء