محتويات المقال
قصائد سليمان العيسى عن الوطن
وُلد الشاعر سليمان العيسى في النعيرية، الواقعة في أنطاكية / لواء إسكندرون، عام 1921. تلقى تعليمه وثقافته الأولى على يد والده أحمد العيسى في قريته، حيث حفظ القرآن الكريم والمعلقات وديوان المتنبي بالإضافة إلى آلاف الأبيات من الشعر العربي. لم تكن هناك مدرسة في القرية سوى مدرسة الكتاب التي كانت في منزل الشاعر الصغير، حيث كان والده الشيخ أحمد يقيم ويقوم بتعليم الطلاب فيها.
قصائد سليمان العيسى عن الوطن ، قصيدة في الشام للشاعر سليمان العيسى :
فـــــي الـــشـــــــام
حسناء .. شط بي الخيال
وكدتُ ألهو عنك حينا
سأصب في سمع الزمان
“حكايتي” .. شعراً مبينا
لحناً .. تعلّين العذوبة
من يديه .. وتنهلينا
أنا في الشآم .. وما أرقّ
الشام.. أهبطها سجينا !
هذا الشتاء .. أحسه
فيها ربيعَ الحالمينا
“ألغوطة” الخضراء
لم تك قبلُ مُترعَةً فتونا
والعطر .. لم يك مُسكِراً
كاليوم .. للمتنسِّمينا !
والشارع المغمور في
“القصّاع*” لم يك يستبينا
وأطل .. حيث رنوتُ
ضمّ طريقنا حوراً ، وعينا
وفتوةً .. وكهولةً
غادين حولي .. رائحينا
حتى الجذوع العاريات
بدوت تَشُوق الناظرينا
حتى الطريق – وهل يحس؟
حسبته .. يهتزّ لينا !
وأشحتُ وجهي .. ما الطبيعةُ ؟
ما الحياة ؟ .. لخانعينا !
يا من تحت على الرصيف
خطاك .. أو تمشي رصينا
لا فرق .. فيما بيننا
لو تعلم الخبر اليقينا
لا فرق .. صدّقني .. فإنّا
في “النظارة” أجمعينا
ما دام في أرض العروبة
حربةٌ .. “للغاضبينا”
لا فرق .. معتقلين كنا
يا أخي .. أو مُطْلقينا
تتراكم الأغلال حتى
تشملُ الشعبَ الأمينا
أشهر قصائد سليمان العيسى
نماذج أشهر قصائد سليمان العيسى :
أنا في الطريق إلى دمشق
وما سئلتُ لكي أجيبا
وورائيَ “الشهباء” يحمل
صدرها صمتاً رهيبا
وحسبتها ترمي إلى
صدّاحها .. نظراً غريبا
ومضت بنا “أرسان”
تنتهب المسالك والدروبا
وتركّز “الحرَسي” جنبي
كالحاً أبداً .. قطوبا يا للحياة ..
تعود بسـ متنا بها عملاً مُريبا
ورميتُ طرفي للنجوم نسيبةٌ
لاقت نسيبا والدرب يوقظ في الظلام ب
خاطري لحناً حبيبا
والطل يعبث بالزجاج
أمام أوجهنا ضروبا
وملابسي في “صُرة بيضاء
كنت بها مصيبا أنى ارتميتُ
وسادتي وائذن لنومك أن يطيبا
هذي “المعرة” أيّ حلم هز إحساسي
مهيبا هذا خيال “
أبي العلاء يكاد يصدمني
قريبا هذا تمرده على الأجيال
لم يبرح صخوبا شيخَ الخلود
تحيةً عجلى ، وأنداءً ،
وطيبا هذي جراحك لم تزل وطناً ،
وتاريخاً سليبا هذا الثرى العربي
لم يبرح وسل دمنا خصيبا
زمجرتَ في وجه الفساد
ولم ترَ الخطب العصيبا
لم تعرف المستعمر السفاح
في وطني نيوبا
ومخالباً تدع الجلود
بنا لتحتل القلوبا
و”ظلاله” المتزاحفين
وراء أرجله .. دبيبا
ما كنت تُصدم “بالحواجز”
حيث أزمعت الركوبا
كنتَ الشروق ، متى أردت
وكنت في وطني الغروبا
والنيل ، مثل الرافدين
فلا حدودَ ، ولا شعوبا
زمجرتَ .. لم تشهد “شمالا”
يستباح ، ولا “جنوبا
شعباً برمته يباد ..
ويستغيث ، ولا مجيبا
زمجرتَ .. دعني هادئاً
أوجِزْ لك النبأ العجيبا
شيخ الخلود .. يكاد طيفك
عن جفوني أن يغيبا
عُذراً إذاً .. وتحيةً
عجلى .. وأنداءً .. وطيبا
أنا آتٍ من المرارةِ يا نخلُ،
من الغُصّةِ التي في صميمي
حاملاً جُرْحَ أُمتي في ضُلُوعي
زارِعاً كُلّ خُطْوَةٍ بِهمُومي
أنا آتٍ من الأَسى أَكَلتني
نارهُ، نارُ ثورتي، من قديمِ
سَبَقتني إليكِ يا نخلُ أشعاري
رَواني الطريقُ قبلَ قدومي
سِندبَادَ الرمالِ كنتُ، فتاريخي
يتيمٌ يَدقُّ بابَ يتيمِ
رِحْلَتي رِحلَةُ الشَّرارةِ في لَيـ
لٍ طويلٍ لِلمُدْلِجينَ بَهيمِ
أتحدَّاهُ مُنْذُ حَدَّقْتُ في النورِ
وأَرْتَدُّ بالصَّدَى الملكومِ
أنا آتٍ.. أأنفُضُ الحُلْمَ عن عَيـ
ني وأَهْوِي قتيلَ صَحْوٍ عَقيمِ؟
حُلُمي أن أكونَ .. أن تُولَدَ الشمـ
ـسُ بِبابي، وأن أَشُقَّ سَديمي
رِحْلَتي رِحلةُ البِشارةِ في الجَدْبِ،
أجفَّتْ حقاً جميعُ غيومي؟
أيبِسْنَا، فما تَبِضُّ الصَّحَارى
بنداءٍ للخالدينَ عظيمِ؟
من هَشيمِ العُصورِ سُوري، فأين
النارُ أرمي بها رُكامَ الهشيم؟
من هَشيمِ التخلُّفِ المُرِّ أَغلا
لي، ورِقي، وجنتي، وجحيمي
أنا آتٍ من كلّ حَبَّةِ رملٍ
حَمَلتْ ظِلَّ ضاشعٍ محرومِ
أنا آتٍ من البَراءةِ طِفلاً
غابَ عني خيالُ أُمّي الرَّؤُومِ
وَسِّدِيني تُرابَ أهلي، وشُدِّيني
شُعَاعاً في ليلهِ المهزومِ
مَزَّقتني على الدروبِ أناشيـ
تدي، وأحرقْتُ في الضبابِ نجومي
رِحْلَتي رِحْلَةُ الغَمامةِ في القَحْـ
ـطِ، وكلاَّ .. لن تيأَسي يا كرومي!
عالَمٌ في دمي أَفاقَ، وأرضٌ
هِيَ أَرْضي تملمَلَتْ في الرَّميمِ
قصائد سليمان العيسى عن الشهداء
كانت علاقة الشاعر الراحل سليمان العيسى بالشهداء علاقة فريدة من نوعها. ففي كل لقاء يجمعه بهم، كان يشاركك قصص بطولات شهدائنا على مر العصور، مؤكدًا أنهم من سيعيدون المجد إلى أوطانهم ومن المؤكد أن قصيدته الأشهر والأجمل تعكس مدى حب الشاعر واعتزازه بالشهداء، حيث قال :
ناداهم البرق فاجتازوه وانهمروا
عند الشهيد تلاقى الله والبشر
ناداهم الموت فاختاروه أغنية
خضراء مامسها عود ولاوتر
تقدس المطر المجدول صاعقة
وزنبقا ؛ ياشموخ الأرض يامطر
لاتفلتي قبضة التاريخ عن غدنا
أطفالك السّمر ياصحراء قد كبروا
ريش على صهوات الرّيح فجّرها
بالمعجزات وريش راح ينتظر
تعانق النسر والتاريخ ملحمة
وكبّرالعشب والينبوع والحجر
تعانق الفارس المقدور من ألم
والتل ّ؛ فالعاشقان التلّ والشّرر
وأينعت بالدم الجولان وانضفرت
سيناء ؛ ياروعة الاكليل ينضفر
سرّ الصحارى وسلها كلما يبست
من أين ينبع فيها الظلّ والشجر ؟
قصيدة سليمان العيسى روعة الجرح
قصيدة سليمان العيسى روعة الجرح :
روعةُ الجرح فوق ما يحملُ
اللفظ ، ويقوى عليه إعصارُ شاعرْ
أأغنّي هديرَها ، والسماواتُ
صلاةٌ لجرحها ، ومجامرْ ؟
أأناجي ثوارَها ، ودويُّ
النار أبياتهم ، وعصفُ المخاطرْ ؟
بين جنبيَّ عبقةٌ من ثراها
ونداءٌ – انّى تَلفّتّ – صاهر
ما عساني أقول ؟ والشاعرُ
الرشاشُ ، والمدفع الخطيبُ الهادر
والضحايا الممزّقون ، وشعبٌ
صامدٌ كلإله يَلوي المقادرْ
فوق شعري ، وفوق مُعجِزة
الألحان هذا الذي تخطُّ الجزائر
يا بلادي ، يا قصةَ الألم الجبار
لم يَحْنِ رأسه للمجازرْ
ما عساني أقول ؟ والنارُ لم
تلفح جبيني هناك ، والثأر دائر
ودويّ الرشاش لم يخترقْ
سمعي ، ويسكبْ ، في جانحيَّ المشاعر
لم أذق نشوةَ الكمين يدوي
فاذا السفح للصوص مقابرْ
لم أعصِّبْ جرحي ، وكفّي على
النار ، وعيناي في العدوّ الغادرْ
ألف عذرٍ ، يا ساحة المجد ،
يا أرضي التي لم أضمّها ، يا جزائر
ألف عذرٍ ، إذا غمستُ جناحي
من بعيدٍ بماحقاتِ الزماجرْ
بيديكِ المصيرُ ، فاقتلعي الليلَ ،
وصوغيه دافقَ النور ، باهرْ
لك في الشرق جانحٌ عربيٌ
يتمطّى عن معجزاتِ البشائر
لكِ هذا الجدار ينسحقُ
الغدرُ على سفحه وتُمْلَى المصائر
رفعته الأكبادُ في مصرَ والشام
مضيئاً ، كطلعة الله ، ظافرْ
وحدةٌ ، مثلما أشرأبّ بقلب
الموج طود نائي الشماريخ قاهر
وحدةٌ .. ديْدبانُها لهبُ الشعب
ورُبّانها إلى الشطِّ ناصرْ
يا قلاعَ الطغاة ، قد نفَضَ
العملاق عن جفنه عصور الضبابِ
والتقينا من غير وعدٍ على الثأر ،
شهابٌ يضيء دربَ شهاب
سفحتنا الصحراء فجراً سخيّاً
بالبطولاتِ ، بالعتاقِ العرابِ
أمةٌ ظنّها الغزاةُ اضمحلّت
وتلاشت وراء ألف حجابِ
في افترار الربيع لا يسأل السروُ
شموخاً عن حاقد الأعشابِ
والعتيقُ الأصيل لا يخطئ الشوطَ !
وضجِّي يا حانقات الذئابِ !
المروءات قد تنام عن الخلد ،
وتكبو في رحلةِ الأحقابِ
ويعيث اللصوص في حرم التا
ريخ .. ظفرٌ دامٍ وشرعةُ غابِ
فجأةً ، يستفيق في جانب
البيد نبيٌّ ، وسورةٌ من كتاب
ويدوِّي على الرمال نفيرٌ
عربيّ ، فالأرضُ رجْعُ جوابِ
وإذا الدهر من جديدٍ نشيدٌ
صاغه أسمرٌ لحُلْمِ ربَابِ
مَنْ سقى الرملَ في الجزائر رعْشاً
وحياةً تمور مَوْرَ العبابِ !
من أحال الجبال زأرَ براكينَ ،
وجدرانَ معقلٍ غَلابِ
يتحدّى قوى الجريمة في الأرض ،
فتبدو كسيحةَ الأنيابِ
إنها أمتي .. تَشُدّ جناحيها ،
فوجهُ التاريخ فجرُ انقلابِ
حادثُ الجيل عودةُ الفارسِ
الأسمرِ حَلّ الميدانَ بعد الغياب
لا تسلني عنه ، تَلفّتْ تَرَ
الأنجم وشياً على جناح عُقابِ
لا تسلني ..طلائعي تَمْلأ
الأفقَ ، كأنّ السماء بعضُ الرحاب
لا تسلني .. جزائري تخضب
التاريخ عطراً بحفنةٍ من ترابِ
إنها أمتي .. تعود إلى الساحِ
نبيّاً ، وآيةً من كتابِ
أين مني عينان ، خلفَ جدارِ
السجنِ ، مكحولتانِ بالكبرياء !
وجبينْ ، وألفُ نجمة صبحِ
لألأت فوقَ جرحه الوضّاءِ
وفمٌ ، ويعْجزُ العذابُ ويعيا
فيه عن محو بسمةٍ زهراءِ
بسمة .. لخّصتْ بها شرفَ
التاريخ صديقةٌ من الصحراء
يلعَقُ الوحشُ جرحها ، فتردّ
الطرف كبْراً في صامت من إباء
وهي مذهولةٌ : اتبلُغُ يوماً
مثل هذا نذالةُ الأحياء !
أين مني جميلة* ؟ تزأرُ السا
حاتُ من صمتها بألفِ حُداءِ
أي سرٍّ في الصمت يُرسلُهُ
الأبطالُ ناراً ، وصاعقاتِ فداءِ !
أي سرٍّ هزّت به الشفقة
السمراء قلب الدنيا بغير نداء !
أتراها في السجن قدّيسةُ الصحـ
راء تطوي جراحها في حياء !
عَظُمتْ صيحة الفداء ، وعزّتْ
انْ تُوارى في دامسِ الظلماءِ
هي فينا سحْرُ القصيد إذا
غنّى ، ووهْجُ الناريةِ البتراءِ
هي في غضبة الملايين تهوي
فوق جلادها سياطَ ازدراءِ
في بلادي ، في الصين ، في شفتيْ
راعٍ يغني على الذرى الخضراء
وهِمَ المجرمون ، لن يطفئوا
الشمس بارهاب غيمةٍ سوداءِ
تتحداهم جميلةُ بالصمتِ
رهيبا ، والبسمة الزهراءِ
تتحداهُمُ صخورك يا (أوراس)
أن يوقفوا زئيرَ القضاءِ
موجةٌ .. تحملُ العروبة فيها
من جديدٍ مقَدّساتِ السماءِ