محتويات المقال
وصف شعر الغزل
عرف العرب الشعر منذ العصور القديمة، حيث كان يمثل أسلوب حياة لهم. كانوا يستخدمون الشعر للتعبير عن مختلف جوانب حياتهم، بدءًا من الفخر ووصف المعارك والهجاء بين الأعداء، حيث كانت تُقام المسابقات وتُمنح الجوائز لأفضل الأبيات الشعرية. كما كان الحب والغزل جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية، مما دفعهم لكتابة قصائد مبدعة في هذا المجال ، في المقال التالي سنستعرض معًا أقوى وصف شعر الغزل .
من قول صاحب عفراء في حبِّه لابنة عمِّه أيضاً:
وإنِّي لتَعرُونِي لذِكراكِ رعدَةٌ لَها بينَ جِسمِي والعِظامِ دَبيبُ
وما هو إلَّا أنْ أراهَا فُجاءةً فأُبْهَتُ حتَّى ما أكادُ أجِيبُ
وأُصرَفُ عَن رأيي الَّذي كُنتُ أرتئي وأَنْسى الَّذي حُدِّثتُ ثمَّ تَغِيبُ
ويُظهِرُ قَلبِي عُذرهَا ويُعينها عليَّ فمَا لِي في الفُؤادِ نَصِيبُ
وقدْ عَلِمتْ نَفسِي مَكانَ شِفائِها قَرِيباً، وهلْ ما لا يُنَالُ قَرِيبُ!
كما يخلِّد جميلٌ نقاء حبِّه لبثينة في لحظة فراقٍ فيقول:
وكانَ التفرُّقُ عِندَ الصَّباحِ عَن مِثْلِ رائِحةِ العَنْبَرِ
خلِيلانِ لم يَقرُبا ريبَةً ولمْ يَستخِفَّا إلى مُنكَرِ
وفي أبيات عروة بن حِزام هذه أصدق تعبيرٍ عن الحبِّ العُذري:
وأحبِسُ عَنكَ النَّفسَ والنَّفسُ صبَّةٌ بذكراكَ والممشَى إليكَ قَريبُ
مخافةَ أنْ يَسعَى الوشَاةُ بظنَّةٍ وأحرسُكُمْ أنْ يِسْتريب مُرِيبُ
من أبيات جميل بثينة العذرية قوله أيضاً:
حَلفْتُ لَها بالبُدْنِ تَدمَى نُحورُها، لقد شَقيَتْ نَفسِي بِكُم وعَنيتُ
حَلفْتُ يَميناً يا بُثينَةُ صَادِقاً فإنْ كُنتُ فيها كاذِباً فعميتُ
إذا كانَ جِلدٌ غَيرُ جِلدكِ مسَّني وباشرني دُونَ الشّعارِ شريتُ
ولو أنَّ دَاعٍ مِنكِ يَدعو جِنازَتِي، وكُنتُ على أيدي الرِّجالِ حَييتُ
أنواع الغزل العذري
تعود كلمة “عذري” إلى اسم قبيلة “عذرة” التي كانت تقطن واديًا بالقرب من المدينة المنورة. وقد اشتهر شعراء هذه القبيلة بنوع خاص من الغزل، مما جعل هذا المصطلح يُطلق لاحقًا على كل من اتبع أسلوبهم في الشعر. ومن أبرز شعراء قبيلة عذرة جميل بن معمر العذري وإبراهيم بن عبد الرحمن العذري.
- إن الغزل العذري، كسائر الأنواع الأدبيّة، يتمتّع بخصائص متعدّدة تميّزه عن أنواعٍ أخرى. فهو أولاً، يختصّ بالعفّة والطّهارة فالشّاعر يبتعد عن سوء الخُلق وعن اللجوء إلى الإباحية في وصف المحاسن وقد ظهر ذلك في البيت الشعري لقيس ليلى: سقتني شمسٌ يُخْجِلُ البدرَ نورُها ويكسفُ ضوءَ البرقِ وهو بروق أيضاً.
- اعتمد الشعراء أسلوب إظهار المعاناة والألم نتيجة البعد عن الحبيبة والفراق بينهما، فقد قال الشاعر قيس: فإن تكُ ليلى بالعراق مريضةٌ فإنّي في بحر الحتوف غريق كما أن الشعراء تغزّلوا بمحبوبةٍ واحدة طوال حياتهم، فكان هذا دليلاً على وفاء الشاعر وصدق مشاعره تجاه محبوبته، ويمكن تأكيد ذلك من خلال قول الشاعر كثيّر عزّة: ويحسبُ نسوانٌ لهنَّ وسيلةً من الحبِّ، لا بل حبُّها كان أقدمَا إضافةً إلى ذلك، أسهب الشعراء في استخدام أسلوب النداء في قصائدهم لمناجاة معشوقاتهم.
- ويمكن رؤية ذلك في البيت الآتي لجميل بن معمر: ألا ليتَ ريعانَ الشبابِ جديدُ ودهرًا تولى يا بثينَ يعـودُ إن الغزل العذري، منذ نشأته، عبّر عن وجدانية الشّاعر وعواطفه الجيّاشة الصّادقة تجاه معشوقته. فهو، يعبّر عن أعمق المشاعر التي سعى إلى سبْر أغوارها وكشْف مكنوناتها، والتي هي التّعبير عن الحبّ والعشق المتين الذّي لا يتزعزع أمام عثرات الزمن.
- فقد قال قيس بعد أن حاول شفاء روحه من سقم الحبّ الذي ألمّ به جرّاء تعلّقه بليلى، وهو يخاطب روحه، ويحاور ذاته، ويناجي قلبه: أَمَا عَاهَدْتـَنِي يا قَلبُ أَنِّي إذا ما تُبْتُ عن ليلى تَتُوبُ فَهَا أنا تائِبٌ عن حُبِّ ليلى فمَا لك كُلّمَا ذُكِرَتْ تَذُوبُ والغزل العذري، كان وما يزال يعبّر عن مرارة السهر والأرق، وعن مشاعر الألم والمعاناة لدى الشّاعر، وذلك يعود إلى فراقه عن معشوقته والبعد عنها جرّاء عوامل قصريّة. فقد قال قيس “مجنون ليلى”: أظلُّ رَزِيحَ العقلِ ما أُطْعَمُ الكرى وللقلبِ مِنّي أنـّةٌ وخُفُـوقُ.
الغزل في العصر الجاهلي
يعتبر شعر الغزل في العصر الجاهلي من أجمل أنواع الشعر، حيث يتميز بألفاظه العميقة والمعقدة إلى حد ما. وقد قمنا بتجميع مجموعة من أبرز قصائد الغزل من تلك الفترة.
قال زهير بن أبي سلمى :
صَحا القلبُ عن سلمى وقد كاد لا يسلو * وَأقْفَرَ من سَلمى التّعانيقُ فالثّقْلُ
وقد كنتُ مِن سَلمَى سِنينَ ثَمانيا * على صيرِ أمرٍ ما يمرُّ ، وما يحلُو
وكنتُ إذا ما جئتُ ، يوما لحاجة * مضَتْ وأجَمّتْ حاجة ُ الغدِ ما تخلو
وكلُّ محبّ أعقبَ النأيُ لبهُ * سلوَّ فؤادٍ ، غير لبكَ ما يسلُو
قال عنترة بن شداد :
يا طائرا قد باتَ يندبُ إلفهُ * وينُوحُ وهْوَ مُولّهٌ حَيرانُ
لو كنتَ مثلي ما لبثتَ ملوَّنا * حَسنا ولا مالتْ بكَ الأَغصان
أين الخَليُّ القلْبِ ممَّنْ قلْبُهُ * من حرِّ نيرانِ الجوى ملآن
عِرْني جَناحَكَ واسْتعِرْ دمْعي الذي * أفنى ولا يفنى له جريان
حتى أَطيرَ مُسائلا عنْ عبْلة * إنْ كان يُمكنُ مثليَ الطَّيرانُ
وقال عنترة أيضا :
إذا الريحُ هبَّتْ منْ ربى العلم السعدي * طفا بردها حرَّ الصبابة ِ والوجدِ
ولولاَ فتاة في الخيامِ مُقيمَة * لما اختَرْتُ قربَ الدَّار يوما على البعدِ
مُهفْهَفة ٌ والسِّحرُ من لَحظاتها * إذا كلمتْ ميتا يقوم منْ اللحد
أشارتْ إليها الشمسُ عند غروبها * تقُول : إذا اسودَّ الدُّجى فاطْلعي بعدي
وقال لها البدرُ المنيرُ ألا اسفري * فإنَّك مثْلي في الكَمال وفي السَّعْدِ
فولتْ حياء ثم أرختْ لثامها * وقد نثرتْ من خدِّها رطبَ الورد
وسلتْ حساما من سواجي جفونها * كسيْفِ أبيها القاطع المرهفِ الحدّ
تُقاتلُ عيناها به وَهْوَ مُغمدٌ * ومنْ عجبٍ أن يقطع السيفُ في الغمدِ
مُرنِّحة ُ الأَعطاف مَهْضومة ُ الحَشا * منعمة الأطرافِ مائسة القدِّ
يبيتُ فتاتُ المسكِ تحتَ لثامها * فيزدادُ منْ أنفاسها أرج الندّ
ويطلعُ ضوء الصبح تحتَ جبينها * فيغْشاهُ ليلٌ منْ دجى شَعرها الجَعد
وبين ثناياها إذا ما تبسَّمتْ * مديرُ مدامٍ يمزجُ الراحَ بالشَّهد
الغزل في العصر الأموي
شهد العصر الأموي تحولًا جذريًا في مفهوم الغزل في الشعر العربي، حيث برزت فيه مدرستان رئيسيتان تتزعمان هذا النوع من الشعر، وهما المدرسة العذرية والمدرسة العمريّة. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك المدرسة التقليدية القديمة التي استمرت في اتباع نهج الشعراء الجاهليين. وفيما يلي تفاصيل ذلك :
- لم تخل العصور الادبية السابقة من الغزل، ولكن في عهد بني أمية قد طما سيله لتوفر عوامله، ونحن نعني بالغزل هنا ما استقل بذاته ولم يأت وسيلة للكلام على غيره من أغراض الشعر المعهودة التي رأيناها في الجاهلية، وأصبحت بعد ذلك العهد تقليدا يجري عليه الشعراء في افتتاح القصائد المدحية وغيرها.
- وهذا الغزل الجديد لانجده إلا نادرا في الشام والعراق، وذلك أن الشام أصبح مقرا الخلافة الأموية كما كان العراق مقرا المعارضة، فكان البلدان ميدان السياسة لا مقر السكينة والفراغ، وكان فيهما الغزل التقليدي على أسلوبه القديم، وإنما نشأ الغزل الجديد في الحجاز وما يليه من البلاد العربية الخالصة.
- أبرز شعراء الغزل في العصر الأموي لقد كان لكلّ مدرسة من المدارس السابقة شعراء يُمثلونها، ومن هؤلاء الشعراء جميل بن معمر هو جميل بن عبد الله بن مُعمر العذري، كنيته أبو عمرو، وهو أحد الشعراء العذريين المشهورين، وقد اشتهر بحبّة لبثينة، وكان يُكنيها بأم عبد الملك، ولم يُعرف زمان ولادته لكنّ وفاته كانت نحو عام 82هـ، كان منزله في وادي القرى في الحجاز، وقد منعه أهل بثينة من الالتقاء بها ورفضوا خطبته لها، وقد سافر في أواخر حياته إلى مصر ومات فيها.
- عمر بن أبي ربيعة هو عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي القرشي، كان من أشعر أهل زمانه من طبقة جرير والفرزدق وغيرهما، وُلد في الليلة التي اغتيل فيها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان يفدي على عبد الملك بن مروان فيُكرمه ويرفع شانه عاليًا. رفع أمره إلى عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- أنّه يتعرّض لنساء الحج ويشبب بهنّ، فنفاه إلى جزيرة دهلك، وهناك ركب سفينة في غزو مع المُسلمين فغرقت بهم السفينة ومات، وكانت وفاته نحو عام 93هـ.
الغزل في الشعر العربي الحديث
في العصر الحديث، شهد الشعر العربي إدخال صور جديدة في فن الغزل، حيث تزايدت العواطف والوجدانيات، وابتعد الشعراء عن استخدام الألفاظ الغريبة. وقد حظي الغزل بنصيب الأسد في دواوين العديد من الشعراء، وذلك نتيجة تراجع بعض الأغراض الشعرية التقليدية مثل الهجاء والفخر والمدح والوقوف على الأطلال. ومن أبرز الشعراء في هذا العصر :
- علي محمود طه علي محمود طه المهندس شاعر مصري من وضح الرومانسية العربية لشعره بجانب جبران خليل جبران، البياتي، السياب وأمل دنقل وأحمد زكي أبو شادي.
- سعيد عقل سعيد عقل، شاعر لبناني يعتبر من أبرز الشعراء اللبنانيين المعاصرين. عمل في التعليم والصحافة.
- نزار قباني وسعيد عقل وإبراهيم ناجي وعلي محمود طه وإسماعيل صبري وغيرهم الكثير.
- إبراهيم ناجي إبراهيم ناجي شاعر مصري ولد في 31 ديسمبر 1898م في حي شبرا في القاهرة، وتوفي عام 1953م، عندما كان في الخامسة والخمسين من العمر. كان طبيبا وكان والده مثقفاً، مما ساعده على النجاح في عالم الشعر والأدب.